15.11.20

ما هو المعلم الأرضي الذي يمكن رؤيته من القمر؟ الحقيقة وراء الأسطورة

لطالما ترددت عبارة "سور الصين العظيم هو البناء الوحيد الذي يمكن رؤيته من الفضاء" في الثقافة الشعبية، بل وامتد الأمر ليُقال إنه مرئي حتى من سطح القمر. ولكن ما مدى صحة هذه المقولة الشهيرة؟ الإجابة المباشرة والمفاجئة للكثيرين هي: لا، لا يمكن رؤية أي معلم أرضي بالعين المجردة من على سطح القمر.

هذه المقالة ستكشف الحقيقة العلمية وراء هذه الأسطورة، وتستعرض ما يمكن لرواد الفضاء realmente رؤيته من على متن المحطة الفضائية الدولية، وما هو أقرب ما يكون إلى "معلم" يمكن تمييزه.

الوهم الشهير: لماذا انتشرت هذه الفكرة؟

يعود أصل هذه الأسطورة إلى قرون مضت، وتحديدًا في كتابات الإنجليزي ويليام ستوكلي عام 1754، الذي ذكر أن سور الصين العظيم "هو البناء الوحيد الذي يمكن رؤيته من القمر" دون أي أساس علمي. لقد كانت مجرد استعارة بلاغية لتخيل ضخامة هذا الصرح. ثم تكرست الفكرة في الأذهان بسبب ضخامة السور نفسه، حيث يمتد لأكثر من 21,000 كيلومتر، مما يوحي بأنه لا بد وأن يكون مرئيًا من مسافات بعيدة.

الحقيقة العلمية: لماذا يستحيل الرؤية من القمر؟

  1. مسألة مقياس ومسافة: لنضع الأمور في منظورها الصحيح. يبعد القمر عن الأرض حوالي 384,400 كيلومتر. من هذه المسافة الشاسعة، تظهر الأرض ككرة زرقاء جميلة يغلب عليها لون المحيطات وبقع بيضاء من السحب. التفاصيل مثل المباني، وحتى الجبال العالية، تختفي تمامًا بسبب صغر حجمها النسبي مقارنة بكوكب الأرض.

  2. قدرة العين البشرية: للعين البشرية حدود. حتى من على متن المحطة الفضائية الدولية، التي تدور على ارتفاع 400 كيلومتر فقط فوق سطح الأرض (أي أقرب بألف مرة من القمر)، يحتاج رائد الفضاء إلى استخدام عدسات مقربة (مناظير أو كاميرات ذات عدسات طويلة) لرؤية التفاصيل المعمارية مثل الموانئ أو المطارات الكبرى. العين المجردة لا تكفي.

  3. لون وملمس سور الصين العظيم: السور مبني من مواد (حجرية وترابية) تتشابه ألوانها بشكل كبير مع التربة والصخور المحيطة به في الصحراء والجبال. هذا التشابه في اللون والملمس يجعل تمييزه عن محيطه الطبيعي أمرًا في غاية الصعوبة، حتى من مسافات قريبة نسبيًا.

إذن، ماذا يمكن رؤيته حقًا من الفضاء القريب؟

من المحطة الفضائية الدولية، يمكن لرواد الفضاء تمييز أشياء أخرى، لا بسبب حجمها فقط، بل بسبب التباين الذي تخلقه مع محيطها:

  • المدن الكبرى ليلاً: أكثر "المعالم" وضوحًا هي بقع الضوء الساطعة للمدن الكبرى في الليل، مثل القاهرة ونيويورك وموسكو. هذه الأضواء الاصطناعية تخلق تباينًا صارخًا مع الظلام المحيط.

  • سلاسل الجبال العظيمة: يمكن رؤية سلاسل جبلية ضخمة مثل جبال الهيمالايا (وخاصة قمة إفرست) بسبب حجمها الهائل وارتفاعها الشاهق، لكنها تظهر كتضاريس وليس كتفاصيل دقيقة.

  • المحيطات والصحاري: المساحات الشاسعة ذات الألوان المميزة هي الأكثر وضوحًا. يمكن بسهولة تمييز لون مياه المحيط الأزرق الداكن، أو الكثبان الرملية الذهبية للصحراء الكبرى.

  • أعمال هندسية ضخمة جدًا: بعض المشاريع البشرية العملاقة يمكن رؤيتها بمساعدة العدسات، مثل:

    • مشاريع استصلاح الأراضي في دبي (جزيرة النخلة وجزر العالم) بسبب شكلها الهندسي المميز وتباينها مع مياه الخليج.

    • سدود عملاقة مثل السد العالي في مصر.

    • بعض المطارات الدولية الكبرى بمساراتها الطويلة والمستقيمة.

الخلاصة: الجمال الحقيقي يكمن في الصورة الكلية

في النهاية، الإجابة على السؤال "ما هو المعلم الأرضي الذي يمكن رؤيته من القمر؟" تكمن في تغيير منظورنا للمسألة. المعلم الحقيقي الذي يمكن رؤيته من القمر هو كوكب الأرض نفسه. إنه ذلك الرخام الأزرق والأبيض الرائع المعلق في ظلام الفضاء السحيق، الذي لا تفاصيل صناعية عليه، بل تظهر عليه روعة الطبيعة من محيطات زرقاء، وغابات خضراء، وغيوم بيضاء، وصحاري ذهبية.

لذا، في المرة القادمة التي تسمع فيها هذه الأسطورة، يمكنك أن تشارك الآخرين هذه الحقيقة: أن أعظم إنجازات البشرية لا تقاس بقدرتنا على رؤيتها من مسافات خيالية، بل بقدرتها على إلهامنا للنظر إلى كوكبنا الجميل ككل، والاعتراف بوحدته وهشاشته التي تجعلنا جميعًا سكانًا على هذه "اللازوردية الوحيدة" التي نسميها الوطن.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

شكرا على التعليق